“روساتوم”: تجتاز اختبارات القبول في موصلات فائقة طورتها لاستخدامها في مشروع ” المصادم الدائري المستقبلي”
كتب / إسلام المصري
اجتازت دفعة تجريبية من الموصلات الفائقة الروسية المصنوعة من النيوبيوم والقصدير، بنجاح اختبارات القبول الفنية التي أجرتها المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية “سيرن” (CERN، سويسرا)، والتي تم تصنيعها في إطار برنامج تطوير الموصلات الفائقة لتلبية احتياجات مشروع “المصادم الدائري المستقبلي” (FCC) الذي تنفذها “سيرن”، ومن المفترض أن يحل محل مصادم الهدرونات الكبير (LHC).
أما تصميم أسلاك الموصلات الفائقة وتقنية تصنيعها فأُنجز تطويرها في معهد “بوتشفار” للبحث العلمي ودراسات المواد غير العضوية الذي يتخذ من موسكو مقرا له، بينما أُنتجت الدفعة التجريبية لتلك الأسلاك البالغ طولها 50 كيلومترا، في مصنع “تشيبيتسكي” الميكانيكي الواقع في مدينة غلازوف بجمهورية أودمورتيا الواقعة في منطقة الأورال. ويدخل كلا من معهد “بوتشفار” ومصنع “تشيبيتسكي” ضمن شركة “تفيل” للوقود التابعة لمؤسسة “روساتوم” الحكومية الروسية للطاقة النووية.
وأنجزت المهام الخاصة بتطوير وتصميم وتصنيع الموصلات الفائقة هذه بموجب اتفاقية موقعة بين شركة “تفيل” والمنظمة الأوروبية للأبحاث النووية. والآن بناءً على نجاح الاختبارات اعتمدت منظمة “سيرن” شركة “تفيل” كمورد مستقبلي محتمل لأسلاك الموصلات الفائقة لاستخدامها في برامج تطوير أنظمة مغناطيسية ذات مجالات فائقة القوة لمسرعات الجسيمات.
وتتوافق خصائص الأداء القوية للأسلاك تماما مع مواصفات “سيرن”، وقام علماء من “سيرن” أيضا بتصنيع كابل “رذرفورد” فائقة التوصيل من الأسلاك التي أوردتها شركة “تفيل”. وخلال الاختبارات حققت أسلاك الموصلات الفائقة الموردة نتائج إيجابية قياسية في سجل تقنيات الموصلية الفائقة الروسية، بما في ذلك من ناحية القابلية لمقاومة مرور التيار الكهربائي في المجال الكهرومغناطيسي ونسبة المقاومة المتبقية والقطر الفعال للسلك.
ويعد نظام المغناطيس أحد العناصر الأساسية في مشروع المصادم الدائري المستقبلي. ونظرا إلى ضخامته يتطلب مصادم الجسيمات الجديد الذي يبلغ محيطه حوالي 100 كيلومتر، إمدادات من الأسلاك فائقة التوصيل بأعداد كبيرة يستحيل توفيرها إلا من خلال الجهود المشتركة للدول المالكة لمثل هذه التكنولوجيا.
ووفقا لتقييمات الخبراء، فإن احتياجات المصادم الدائري المستقبلي للموصلات الفائقة ستتجاوز أضعافا القدرات الإنتاجية الحالية لمصنعي أسلاك النيوبيوم القصدير في العالم.
وفي الوقت نفسه، فإن المصادم الدائري المستقبلي المزمع بنائه في سويسرا في مطلع الأربعينيات من القرن الحالي، يعد مشروعا دوليا رئيسيا يبذل المجتمع العلمي العالمي جهوده لإطلاقه. وسيتيح تنفيذ المشروع للعلماء الارتقاء بالبحوث الأساسية في فيزياء الجسيمات الأولية إلى مستوى نوعي جديد. على وجه الخصوص، سيساعد المشروع في فهم طبيعة المادة المظلمة ومشكلة عدم تناسق المادة المضادة في الفضاء الكوني المنظور وغيرها من القضايا التي تخرج عن إطار ما يسمى نظرية النموذج العياري لفيزياء الجسيمات الحديثة.
وخلافا للموصلات الفائقة المصممة التي صممتها “روساتوم” لاستخدامها في مشروع المفاعل الحراري التجريبي الدولي (ITER)، تم إنتاج الأسلاك فائقة التوصيل لمشروع المصادم الدائري المستقبلي استنادا إلى أسلوب “المصدر الداخلي للقصدير” الذي يتيح تصنيع سلك يتميز بنسبة أعلى بكثير لأﻗﺼﻰ ﺘﻴﺎﺭ يمكن للموصل ﺃﻥ ﻴﺤﻤﻠﻪ، وهو شرط أساسي لإنشاء أنظمة مغناطيسية حديثة لمسرعات الجسيمات وأجهزة لفيزياء الطاقة العالية.
وقالت ناتاليا نيكيبيلوفا رئيسة شركة “تفيل”: “أثبت باحثو ومهندسو قسم الوقود لمؤسسة “روساتوم” مرة أخرى أنهم يتمتعون بمستوى عال من الكفاءة المهنية في مجال الموصلية الفائقة حيث تمكنوا من تطوير تقنية وتصنيع منتج ذي خصائص يفي بمعايير الجودة المتقدمة على مستوى العالم وذلك في غضون فترة زمنية وجيزة. نحن فخورون بأن الموصلات الفائقة التي أنتجناها ستسمح بتنفيذ المشاريع العلمية الضخمة الروسية والدولية على حد سواء في مجال فيزياء الطاقة العالية والاندماج النووي الحراري، مثل المصادم الدائري المستقبلي والمفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي ومصادم فائق التوصيل للبروتونات والأيونات الثقيلة (NICA) ومركز أبحاث الأيونات والبروتونات المضادة (FAIR). بالإضافة إلى أسلاك النيوبيوم-القصدير، نعمل أيضا على تطوير أسلاك النيوبيوم-التيتانيوم لصالح مشروع المصادم الدائري المستقبلي، والنيوبيوم عالي النقاء المطلوب لتصنيع أنظمة تسريع الجسيمات في إطار مشروع مصادم المستقبل الدائري”.
تمثل الموصلية الفائقة التطبيقية أحد المجالات الاستراتيجية لتطوير التقنيات غير النووية في شركة “تفيل”. وإلى جانب استخدامها في مشاريع العلوم الأساسية، لا غنى عن المواد فائقة التوصيل ذات درجات الحرارة المنخفضة في تطوير المعدات الطبية الحديثة (أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي)، وكذلك في المعدات التحليلية ذات الدقة العالية والفائقة، مثل مطياف الرنين المغناطيسي النووي. ويعتبر تطوير مواد فائقة التوصيل عالية الحرارة إحدى المهام ذات الأولوية في مجال تطوير تقنيات الموصلية الفائقة، كما ستساعد مواد كهذه على تحسين خصائص أداء الأجهزة الكهربائية التقليدية والأجهزة المستخدمة في صناعة الطاقة بشكل ملحوظ.
وإلى جانب روسيا يعمل علماء في الولايات المتحدة وأوروبا وكوريا الجنوبية واليابان والصين من أجل تطوير أسلاك فائقة التوصيل لمشروع المصادم الدائري المستقبلي تلبي متطلبات “سيرن”. و”تفيل” قسم الوقود في مؤسسة “روساتوم” هو المطور والمصنع الوحيد للموصلات الفائقة منخفضة الحرارة للأغراض الفنية في روسيا. ويجري العمل في معهد “بوتشفار” على تطوير تصميمات وتقنيات لتصنيع أسلاك فائقة التوصيل معتمدة على النيوبيوم فائق النقاء وسبائكه.
وتجري في مصنع “تشيبيتسكي” الميكانيكي الاستعدادات لإطلاق الإنتاج التسلسلي لأسلاك الموصلات الفائقة هذه. وقد بدأ المصنع بإنتاج مواد فائقة التوصيل ذات الحرارة المنخفضة في إطار مشاركة روسيا في مشروع إنشاء المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي “إيتر” في فرنسا. وفي فترة ما بين عامي 2009-2014 ، أنتج المصنع أكثر من 200 طن ما يعادل 61 ألف كيلومتر من الموصلات الفائقة منخفضة الحرارة لاحتياجات مشروع “إيتر”.
في نهاية عام 2020، استفاد مجمع NICA لمسرع الجسيمات في مدينة دوبنا بضواحي موسكو من الموصلات الفائقة من النيوبيوم والتيتانيوم المطورة والمصنعة في قسم الوقود لـ”روساتوم”، حيث أتاح استخدامها تحقيق المؤشرات التصميمية للمجال المغناطيسي لمسرع الأيونات الثقيلة الذي يتبع للمجموعة الأولى من مجمع المسرعات الضخم.